فضل الصبر
كان أحد الأولياء يُسمّى عبد الواحد بن زيد أصابه فالج فقال في دعائه: "اللهم أذهبه عني وقت الطهارة والصلاة"، فصار الفالج يذهب عنه وقت الطهارة والصلاة ثم يعود إليه.
وإنما قال ذلك لأنه يعلم ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يُرد الله به خيرًا يُصب منه". معناه : العبد الذي يحبه الله يبتليه إما في جسده أو ولده أو ماله فليس البلاء علامة الهوان عند الله في كل الأحوال، بل البلاء للمؤمنين الكاملين رفعة في درجتهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على حسب دينه" معناه كلما كان الإنسان قويًا في أمر الدين كلما كان بلاؤه اشدّ.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض ليس عليه خطيئة".
وكان رجل من الأولياء من التابعين يُسمّى الربيع بن خُثيم من حُسن عبادته قال له عبد الله بن مسعود: "لو رءاك رسول الله لأحبك".
هذا الرجل أصابه الفالج حتى صار ينزل اللعاب من شدقه فلم يطلب من الله أن يذهب عنه ذلك، فلعل الربيع أعلى رجة من عبد الواحد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عِظم الجزاء مع عِظم البلاء، وما أوتي أحدٌ عطاء أوسع من الصبر" فأصحاب الدرجات العالية من شأنهم أنهم مبتلون في الدنيا، فمن نظر في حال الأنبياء عرف أن الأمر كذلك، فسيدنا ءادم أُهبط من الجنة التي ليس فيها نكد ولا هم ولا جوع ولا عطش إلى الدنيا دار البلايا والمصائب، وسيدنا نوح دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا ومع ذلك لم يؤمن به إلا نحو ثمانين شخصًا وابنه كنعان وزوجته لم يؤمنا به.
وسيدنا إبراهيم كذّبه قومه، وسيدنا عيسى أراد اليهود قتله فنجّاه الله منهم ورفعه إلى السماء.
وسيدنا محمد وهو أعلى الأنبياء درجة عانى من قومه ما عانى فابتُلي بسكرات الموت وكل هؤلاء الأنبياء أكابر ليسوا هيّنين على الله، فمعنى ذلك أن الابتلاء للأكابر زيادة في درجاتهم، فالعاقل المتدبّر الذي ينظر في سيرة الأنبياء والأولياء يعرف هذه الحقيقة ومن هنا قال الصوفية: "ورودُ الفاقات أعياد المريدين".
ولم يُصب واحد من الأنبياء بمرض منفّر كالجذام وهو مرض تتقطع منه الأطراف، والبرص وهو مرض يبيَض منه الجلد، وخروج الدود من الجسد، أما سيدنا أيوب فالذي ورد في الحديث أن مرضه كان ثمانية عشر سنة ولم يرِد تسميته ولعله كان الحُمّى، وكان من شدّة مرضه التزم الفراش وتغيّر جسمه، بعد ثمانية عشر سنة خرج يريد الخلاء فابتعد عن زوجته لأن الأنبياء شديدو الحياء، فأوحى الله إليه أن يضرب الأرض برجله فخرج له ماء قُراح (أي صافٍ) فشرب منه واغتسل فرجع كما كان قبل ثمانية عشر سنة، فلمّا جاء زوجته ما عرفته قالت له: هل رأيت نبي الله ذاك المُبتلى وقد كان أشبه الناس بك حين كان صحيحًا؟ فقال لها: أنا هو، وكان ابتُلي أيضًا بفقد ماله وأولاده فعوّضه الله عن أولاده غيرهم ورزقه سحابتين، سحابة أمطرت ذهبًا وسحابة أمطرت فضة.
وقد ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عند الكعبة متوسّدًا بُردةً له فقال له بعض الصحابة: ألا تستنصر لنا يا رسول الله، ألا تدعو لنا!! فقال: "إنه كان فيما قبلكم يؤتى بالرجل فييُمشَط بأمشاطِ الحديد ما بين لحمه وعظمه، ويؤتى بالرجل فيُنشر بمنشار الحديد ليَترُك دينه ولا يتركه، واللهِ ليُتِمنّ هذا الأمر حتى يمشي الرجل بغنمه من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه".
والله تعالى أعلم وأحكم.