يعدّ اكثر الباحثين بأن اول حديقة للحيوانات تم انشاؤها زمن الامبراطور الصيني (ون) عام 150 قبل الميلاد، اذ خصصت لدراسة الحيوانات ومعرفة سلوكها من قبل المختصين بعلم الحيوان داخل قصره، ولان الحضارة الصينية كانت مهتمة بالحيوانات كونها رمزاً من رموز الطبيعة، لهذا اطلقوا على بعض سنواتهم اسماء الحيوانات مثل سنة الكلب أو الديك أو التنين، بل ووشموا اجسادهم بصور بعض الحيوانات، وحتى ابراج الحظ المتعارف على اسمائها عالمياً فأن لها أسماء اخرى لديهم وكلها ترمز للحيوانات..
لكن المنحوتات الاثرية التي تم العثور عليها والتي تعود الى الالف الثاني قبل الميلاد تؤكد وجود حديقة حيوان للملك العراقي سرجون الاكدي، والذي كان يصطاد الحيوانات المفترسة كونها هواية الملوك والاقوياء، لهذا عدّ صائدها رجلاً قوياً وشجاعاً وينال احترام الجميع، كذلك كان يشتري الحيوانات غير الموجودة في منطقته من التجار الذين يجلبونها خصيصاً له، والبعض الآخر جاءه كهدايا من قبل الملوك والامراء.. ومن هنا كانت حديقته، أول حديقة للحيوان كونها سبقت حديقة (ون) بأكثر من ألف عام، ولانها كانت مخصصة للتمتع بمشاهدة الحيوانات، وهذه اهم ميزة لحدائق الحيوان، وعلى عكس حديقة (ون) التي كانت مخصصة للدراسة والابحاث.
أما في تاريخنا الاسلامي فتعتبر (بركة المتوكل) من الآثار الجميلة الباقية الى الآن، فقبل اكثر من ألف عام بنى الخليفة العباسي المتوكل في سامراء حديقة للحيوانات وبركة للاسماك تحت الارض وعلى عمق يزيد على عشرة أمتار، اذ وجدوا فيها عظاماً لاسماك لا وجود لها في وقتنا الحاضر.
يقول السيد محمد العلي أحد المهتمين بالتراث: كان الاعتقاد السائد بأن حدائق الحيوان قديمة قدم وجود الانسان على الارض، وهذا الاعتقاد خاطئ حسب ما يؤكده السيد العلي، لان الانسان القديم لم تكن به حاجة الى التمتع برؤية الحيوانات المفترسة كونه كان يعيش معها اصلاً، بل العكس من ذلك تماماً فأنه كان يكره رؤيتها ويحاول الاختباء والهروب منها تجنباً وخوفاً من وقوعه فريسة لها.. وعندما قامت المدن عبر التاريخ، عمدت المجتمعات البشرية على بناء اسوار حول مدنهم، وكان الاعتقاد الخاطئ كذلك، بأن هذه الاسوار بُنيت لحمايتها من جيوش الاعداء، بينما الحقيقة انها كانت مصممة لمنع دخول الحيوانات للاسباب نفسها.. وبمرور السنوات وازدياد التجمعات البشرية اصبحت هذه الاسوار تؤدي خدمة الحماية من الاعداء والحيوانات معاً.
ان الانسان القديم كما يذكر الباحث التراثي لا يجيد سوى مهنة الزراعة، وهذه المهنة جعلته موجوداً في حقله كل يوم، أي انه لا يتمتع بعطلة اسبوعية أو شهرية، أو لديه فسحة من الوقت كي يقضيها في حدائق الحيوان والتي تتم زيارتها أيام العطل في العادة، لكن الاهتمام الحقيقي بدأ في القرن السادس عشر، أي بعد عصر النهضة وقيام الرأسمالية.. اذ افرزت الثورة الرأسمالية مجموعة من التجار واصحاب رؤوس الاموال الطائلة مضافاً اليها اوقات الفراغ، لهذا عمدوا الى شراء الحيوانات المفترسة والنادرة ووضعوها في اقفاص داخل قصورهم للتباهي بها امام المجتمع الارستقراطي وامتاع عوائلهم وزوارهم بمشاهدتها.. لكن هذه الحدائق كانت محصورة لدى تلك العوائل.. اما اول حديقة حيوان يدخلها عامة الناس فقد تم انشاؤها في باريس عام 1793 وتلتها اخرى في لندن عام 1829.
ان اهم تطور حدث لحدائق الحيوان- كما يذكر العلي- حينما اصبحت تحتل مساحات شاسعة ويدخلها الزوار والسياح عبر سيارات على شكل اقفاص لحماية الزائرين، وهذه الحدائق الحديثة تغير أسمها وسميت بالمحميات الطبيعية.. اذ قامت دول مثل كينيا وتنـزانيا باحاطة مساحات كبيرة بالاسلاك تقدر بآلاف الدونمات لحماية الحيوانات البرية من عمليات الصيد العشوائي والتي ادت الى نقص كبير في اعدادها.. وقد استقطبت هذه المحميات ملايين السواح سنوياً ومن كافة بقاع المعمورة، وكانت نقطة تحول في تصميم حدائق الحيوانات، كونها- وهذا يعدّ اهم سبب- وفرت السكن الاصلي لكل حيوان وفي بيئته الام، كذلك فأن تكاليف أنشائها بسيطة، وبالمقابل اصبحت مورداً سياحياً يدّر المبالغ الطائلة لتلك الدول.. حيث اصبحت متعة مراقبة طباعها والصراع فيما بينها وملاحقتها للفريسة عن قرب، بواسطة السيارات المصفحة، لاتعادلها متعة اخرى.